باعتباركم عضو الأمانة الوطنية للاتحاد المغربي للشغل وكمنشغل بالحوار الاجتماعي ببلادنا، ما ذا تبقى من اتفاق 26 أبريل للسنة الماضية؟
في البداية لا بد من الإشارة إلى أنه منذ انطلاق الحوار الاجتماعي في صيغته الجديدة في 2008 لم يتم توقيع أي اتفاق بين الحكومة والنقابات إلا في سنة 2011. وهذا يبين الدور الذي لعبته حركة 20 فبراير في الحصول على اتفاق 26 ابريل 2011. وما يؤكد ذلك هو أن التراجع النسبي لحركة 20 فبراير سنة 2012، جعل الحكومة تتراجع عن بعض بنود اتفاق 26 ابريل، نذكر منها:
ــ توحيد الحد الأدنى للأجور في الفلاحة والصناعة والتجارة؛
ــ المصادقة على الاتفاقية الدولية رقم 87 الخاصة بالحريات النقابية؛
ــ إلغاء أو تعديل الفصل 288 من القانون الجنائي؛
ــ إحداث تأمين لتعويض العمال في حالة إفلاس المقاولة؛
ــ تمتيع موظفي الدولة الرسميين من التأمين عن حوادث الشغل. وفي هذا الباب تجدر الإشارة إلى أن التأمين عن حوادث الشغل إجباري ويطبق في القطاع الخاص والمنشآت العمومية والجماعات المحلية وعلى المؤقتين بالإدارات العمومية. لكن الموظفين الرسمين بالإدارات العمومية لا يستفيدون من هذا التأمين.
كيف تقرؤون المبررات التي تقدمها حكومة بنكيران لتأخير تنفيذ بنود هذا الاتفاق والتغاضي عن البعض الآخر، كتدارك الفارق بين الحد الأدنى للأجر الفلاحي والحد الأدنى المطبق في الصناعة والخدمات، والتصديق على الاتفاقيات الدولية التي ورد حصرها في محضر 26 أبريل؟
لم تقدم الحكومة أي تبرير فيما يخص عدم الالتزام بتوحيد الحد الأدنى للأجور؛ وهي تقترح فتح المفاوضات من جديد حول هذا الموضوع مع المشغلين (بكسر الغين) مع العلم أن هؤلاء شاركوا في المفاوضات التي سبقت توقيع اتفاق 26 ابريل.
وفيما يخص التراجع عن المصادقة على الاتفاقية الدولية 87، ترى الحكومة بأن الدستور الجديد يتناقض مع مضمون هذه الاتفاقية ذلك ان بعض الفئات كرجال القضاء يحرمون بموجب الدستور الجديد من ممارسة الحق النقابي، في حين أن الاتفاقية رقم 87 تسمح لهم بذلك.
ولا بد من التذكير هنا بأن الاتفاقية الدولية 87 تعتبر من الاتفاقيات الدولية الأساسية وهذا الصنف من الاتفاقيات يفرض احترامه على جميع الدول سواء صادقت عليها أم لا.
وللإشارة كذلك، فإن المركزيات النقابية التي صوتت بنعم على الدستور المعدل ومن ضمنهم الاتحاد المغربي للشغل قد تجد اليوم نفسها مضطرة للمطالبة بتعديل هذا الدستور لأنه يتضمن تراجعات على بعض المكتسبات؛ وعلى سبيل المثال يفرض هذا الدستور وضع قانون تنظيمي لممارسة حق الإضراب الشيء الذي ترفضه جل النقابات ومن ضمنها الاتحاد المغربي للشغل.
وبالنسبة للفصل 288 من القانون الجنائي فهذه حكاية طويلة، حيث أن جميع الاتفاقات الناتجة عن الحوار الاجتماعي من اتفاق فاتح غشت 1996 إلى اتفاق 26 أبريل 2011، تضمنت التزام الحكومة بإلغائه أو تعديله لكون هذا الفصل الذي يجرم الإضراب يعتبر لادستوريًا. ولحد الآن مازال العديد من المناضلين النقابيين والأجراء بصفة عامة يسجنون ويحاكمون بموجب هذا الفصل لأنهم فقط مارسوا حق الإضراب الدستوري.
وإن الحكومات المتعاقبة منذ 1996 لم تف بالتزاماتها بإلغاء أو تعديل هذا الفصل وربطت إلغاءه بالمصادقة على القانون التنظيمي للإضراب الشيء الذي يؤكد أن الهدف المنشود من هذا القانون هو تكبيل ممارسة حق الإضراب، كما هو الشأن حاليًا بالنسبة للفصل 288.
أما بالنسبة للتأمين عن إفلاس المقاولات والتأمين عن حوادث الشغل بالنسبة للإدارات العمومية وكذلك إحداث درجة جديدة بالنسبة لبعض الفئات من الموظفين، فإن الحكومة تؤجل تطبيق هذه الالتزامات من دون إعطاء أي مبرر.
ما الحاجة لمثل هذه الاتفاقيات الدولية بالنسبة للشغيلة؟
إن المصادقة على الاتفاقيات الدولية للشغل، مثلها مثل المصادقة على المواثيق الدولية لحقوق الإنسان، يلزم الحكومة بتطبيق بنود هذه الاتفاقيات وهو ما يمر عبر ملاءمة القوانين مع هذه الاتفاقيات. فعلى سبيل المثال إن المصادقة على الاتفاقية 87 سيلزم الدولة باحترام أكبر للحريات النقابية وسيمكن القضاة وحاملي السلاح كرجال الشرطة والغابويين والجمركيين من ممارسة الحق النقابي بحرية.
كيف تقيمون سير الحوار الاجتماعي الجاري في القطاع الخاص والعمومي لهذا الموسم؟
لقد سبق لنا نحن الأعضاء الثلاثة في الأمانة الوطنية المغضوب عليهم من طرف البيروقراطية (خديجة غامري، عبد الرزاق الإدريسي وعبد الحميد أمين) أن نعتنا الحوار الاجتماعي لهذه السنة بأنه حوار اجتماعي أعرج، عقيم ومغشوش.
قلنا أنه أعرج لسببين: الأول هو أن هذا الحوار لم ينشغل سوى بالوظيفة العمومية في حين أنه لم يتم التعرض لمشاكل أجراء المنشآت العمومية وكذا القطاع الخاص والثاني هو مشاركة جزء فقط من المركزيات الأكثر تمثيلية في الحوار (النقابتان الحكوميتان الاتحاد العام للشغالين بالمغرب والاتحاد الوطني للشغل بالمغرب والجناح البيروقراطي داخل الاتحاد المغربي للشغل) في حين أن كدش وفدش وكذا الاتجاه الديمقراطي داخل إ. م. ش الممثل في الاتحاد النقابي للموظفين لم يشاركوا في الحوار.
قلنا كذلك بأن الحوار كان عقيما لسبب واضح هو أنه لم يسفر عن اي نتيجة ملموسة بالنسبة للموظفين وظل الحديث يجري فقط عن منهجية الحوار!
كما قلنا بأن الحوار كان مغشوشا وذلك لسبب بسيط هو أنه في الوقت الذي كان الحوار جاريا، وهدفه طبعا تحسين أوضاع الموظفين وسائر الأجراء، قامت الحكومة بشكل مفاجئ ودون استشارة مكونات الحركة النقابية بزيادة ضخمة في أثمان بيع المحروقات مع ما ترتب عن ذلك من زيادة في الأثمان ألأخرى وبالتالي من تدهور المستوى المعيشي للمواطنين. أليس هذا حوار مغشوش؟
صناديق التقاعد وصندوق المقاصة موضوعان يستأثران باهتمام الفئات الشعبية والطبقة المتوسطة ويثيران جدلا قويا في الساحة الوطنية، ما هو تصوركم بهذا الخصوص؟
بالنسبة لإشكالية صناديق التقاعد لم تعمل الحكومات المتعاقبة لحد الساعة إلا على تأجيل مواجهتها.
فاللجنة الوطنية لإصلاح أنظمة التقاعد رأت النور في سنة 2004 ولم تصل إلى أي نتيجة لحد الساعة رغم صرف أموال باهظة لإنجاز دراسة ضخمة من طرف مكتب دراسات دولي حول الموضوع. والنتيجة هي أن ثلاثة حكومات فشلت لحد الساعة في مواجهة الإفلاس الذي يهدد هذه الصناديق وخاصة الصندوق المغربي للتقاعد الذي يهم الموظفين المدنيين والعسكريين. وأسباب الأزمة التي تعرفها صناديق التقاعد متعددة ويمكن إيجازها في النقط التالية:
ــ سوء التدبير لصناديق التقاعد ولمدخراتها؛
ــ عدم التصريح بأجراء القطاع الخاص لدى الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي؛
ــ غياب الشفافية في ما يخص مساهمة الدولة في تمويل الصندوق المغربي للتقاعد منذ تأسيسه؛
ــ تراجع التوظيف داخل قطاع الوظيفة العمومية بسبب سياسة التقشف المملاة على بلدنا من طرف المؤسسات المالية الدولية مما أدى إلى تراجع عدد الموظفين النشطاء بالنسبة لكل متقاعد من 12 في السبعينات إلى 3 في السنوات الأخيرة؛
ــ عدم المساواة في الاقتطاع والمساهمة ما بين الصناديق والأنظمة بحيث نجد بالنسبة للصندوق الوطني للضمان الاجتماعي والنظام الجماعي لمنح رواتب التقاعد أن الأجير يتحمل ثلث المساهمة والمشغل الثلثين في حين أن مساهمة الأجير بالنسبة للصندوق المغربي للتقاعد (النظام المدني) يتحمل الأجير النصف والدولة النصف الآخر مما يحرم هذا الصندوق من جزء كبير من المداخيل من شأن تأديتها أن يؤجل العجز الذي سيظهر هذه السنة في هذا الصندوق إلى ما بعد 2020.
أما بالنسبة لصندوق المقاصة فيظهر أن الدولة عازمة على تصفيته، وهذا ما قد يؤدي إلى زيادات خطيرة في أثمان المواد والخدمات الأساسية بالنسبة للموطنين، وبالتالي إلى تدهور أوضاعهم المعيشية بشكل غير مسبوق.
إن الإجهاز على صندوق المقاصة يبرَر بكون الفئات الغنية هي المستفيدة الكبرى من خدماته وبالتالي يطرح إلغاء الصندوق مع تمكين الفئات المعوزة من مساعدات خاصة.
شخصيا أعتبر أن تبريرات الحكومة للتخلص من صندوق المقاصة غير مقنعة وأنها في أحسن الأحوال قد تكون كلمة حق يراد منها باطل. لذا على الحركة النقابية المدافعة عن مصالح الشغيلة وعموم الجماهير الشعبية التشبث بصندوق المقاصة مع إصلاحه لحرمان الفئات الغنية من الاستفادة من خدماته أو مع سن ضرائب خاصة على الأثرياء ومحاربة التملص الضريبي.
ألا تعتبر مطالبكم مطالب تعجيزية، في شروط الأزمة الدولية التي تحاصر الاقتصاد الوطني وأمام ضعف تنافسية المقاولة المغربية ؟
إن الحكومات المتتالية دأبت على تبرير عجزها على التجاوب مع مطالب الجماهير الشعبية بعاملين أساسيين: الأزمة العالمية وانعكاساتها على الاقتصاد المغربي والجفاف.
ومن جهتنا نعتبر أن الانعكاسات السلبية للأزمة العالمية ليست قدرا محتوما؛ فيكفي العمل على بناء اقتصاد وطني مستقل موجه أساسا نحو سد الحاجيات الخاصة لشعبنا وليس حاجيات السوق العالمية وهو ما يتطلب جعل حد للنظام الاقتصادي السائد وهو بالمناسبة نظام الرأسمالية التابعة الممخزنة. ويكفي كذلك أن نعمل على بناء المغرب الكبير الاقتصادي والاجتماعي والسياسي لجعل حد لانفراد الدول الرأسمالية الكبرى بكل قطر مغاربي على حدى.
وفي الوقت، الذي يتم فيه الإجهاز على مكتسبات الجماهير الشعبية، بدعوى ضرورة مواجهة انعكاسات الأزمة العالمية على بلادنا نجد أن الرأسماليين الكبار وملاكي الأراضي الكبار وكبار أغنياء هذا البلد يعيشون حياة البذخ والإسراف هنا في المغرب وفي الخارج، بل إنهم يهربون أموالهم للخارج لضمان مستقبلهم، ومستقبل ذويهم هنا وهناك.
في هذه الأثناء، يتم مطالبة الجماهير الشعبية بشد الحزام وتأدية فاتورة الأزمة التي تسبب فيها الأغنياء.
خلاصة القول، إذا كانت هناك من انعكاسات للأزمة العالمية وللجفاف، فأول من يجب أن يؤدي الثمن هم الأغنياء وليس الفقراء.
لماذا تترددون في الحركة النقابية إزاء تقنين الإضراب وتنظيم العمل النقابي بقانون خاص بالنقابات على غرار قانون الأحزاب؟
بالنسبة للقانون التنظيمي للإضراب، والذي طرحت ضرورة بلورته منذ أول دستور عرفه المغرب في 1962 أي منذ نصف قرن، نحن في الاتحاد المغربي للشغل، نسجل أن جميع المشاريع التي بلورتها الحكومة لحد الآن، والتي وافقت عليها الباطرونا مبدئيا تسير في اتجاه تكبيل حق الاضراب، أي في اتجاه وضع عراقيل قانونية أمام ممارسة هذا الحق الذي يمارس اليوم بحرية نسبية من طرف مختلف فئات الشغيلة وكذا بالنسبة للطلبة رغم وجود الفصل 288 من القانون الجنائي ــ الذي يعاقب ما يسمى بعرقلة حرية العمل ــ وعراقيل قانونية أخرى.
ولو كان الأمر يتعلق بوضع قانون للإضراب من أجل تنظيم الممارسة والحرة لحق الإضراب بالنسبة لجميع فئات الشغلية (من عمال وموظفين ومستخدمين وتجار وحرفيين وفلاحين كادحين وأصحاب المهن الحرة)، وبالنسبة للطلبة والتلاميذ كذلك، لما اعترض أي نقابي على وضع قانون حول الإضراب. ولكن مادام الأمر يتعلق بوضع عراقيل ومكبلات لممارسة حق الإضراب، فلا يمكن القبول بالتخلي عن مكتسباتنا التاريخية في هذا المجال. ونحن لحد الآن تصدينا ونستمر في التصدي لأي مشروع يسعى إلى تكبيل حق الاضراب المضمون بموجب العهد الدولي حول الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية المصادق عليه من طرف المغرب منذ 03 ماي 1979.
أما فيما يخص ترددنا إزاء وضع قانون لتنظيم العمل النقابي، فيرجع إلى تخوفنا من أن تكون صياغة هذا القانون الجديد كبديل للتشريع الحالي فرصة للتراجع عن مكتسبات الطبقة العاملة في مجال الحريات والحقوق النقابية، خاصة ونحن في زمن الهجوم الكاسح لليبرالية المتوحشة على المكتسبات وما يترتب عنه من تراجعات.
بعبارة أخرى، إذا كان القانون المنظم للعمل النقابي سيمكن من جهة من الحفاظ على المكتسبات الحالية وتطويرها ــ عبر إدماج مقتضيات الاتفاقية الدولية للشغل وخاصة منها الاتفاقية رقم 87 حول الحريات النقابية والاتفاقية 135 حول حماية الممثلين النقابيين والاتفاقيتين 141 و151 المتعلقين بالموظفين وبالشغيلة القروية ــ وسيمكن من جهة أخرى بجعل حد للبيروقراطية والفساد المرتبط بالريع النقابي وبفرض احترام الديمقراطية الداخلية والشفافية المالية، فلا يمكن إلا أن نصفق لهذا القانون.
ومع الأسف الشديد، فإن الدولة التي لا ترغب في دمقرطة نفسها ودمقرطة المجتمع والتي سعت إلى تأبيد العلاقات المخزنية عبر إقرار دستور فاتح يوليوز اللاديمقراطي، لا يمكنها إلا أن تخضع للوبيات المتحكمة في العمل النقابي مع ما ينجم عن ذلك من تراجعات مقابل الحفاظ قانونا على مصالح هذه اللوبيات.
كيف تنظرون إلى متابعة نقابيين من الاتحاد المغربي للشغل في قضية ما يعرف بكوماناف ؟
بداية أريد التأكيد على أن النقابيين وخاصة المسؤولين منهم ليسوا منزهين عن الخطأ بل إن بعضهم ارتكب جرائم حقيقية عبر استغلال موقعهم ونفوذهم النقابي. كيف يمكن أن نفسر أن بعض النقابيين الذين كانوا مجرد أجراء بسطاء أصبحوا مليارديرات؟ لماذا لا يطرح عليهم سؤال "من أين لك هذا؟" ولماذا نجد أن بعض أفراد عائلاتهم يتقاضون الملايين شهريا؟ ولماذا صمت السلطات وتواطئها في هذا المجال؟ ولماذا لم تتابع السلطات القضائية ما نشر في تحقيق جريدة المساء ليوم 23 فبراير 2012؟ وما مآل الحقائق المنشورة في جريدة المساء ليوم 24 يوليوز، والتي كشف عنها القيادي السابق في الاتحاد السيد حسن البزوي؟
إذن أنا لست من أصحاب "أنصر أخاك (النقابي) ظالما أو مظلوما"؛ بالعكس أنا مع فضح النقابيين المفسدين قبل غيرهم من المفسدين لأنهم يحملون أمانة الدفاع عن الطبقة العاملة. والفساد النقابي جريمة أبشع من أي فساد آخر لأنه يتم على حساب المستضعفين الذين وضعوا ثقتهم في المسؤول النقابي.
هذه أشياء عامة كنت أود طرحها قبل الجواب مباشرة على سؤالك.
وبالنسبة للأخوين المعتقلين سعيد الحيرش ومحمد الشمشاطي، إنني لا أتوفر على المعطيات الكافية لاتخاذ موقف واضح. فالبلاغ الصادر عن الأمانة الوطنية ظل غامضا، كما أن عضوي الأمانة اللذين كانا يتتبعان عن كثب الحركة النقابية في الموانئ لم يدليا بأي تصريح؛ ونحن في انتظار الحقيقة التي يجب أن تأتي سواء من المسؤولين النقابيين أو من طرف السلطات.
ومع ذلك، ومن خلال تتبعي للحركة النقابية عندما كنت أشارك في اجتماعات الأمانة الوطنية وإلى حدود 05 مارس الماضي، تتبعت النضالات البطولية والعادلة لعمال ميناء طنجة والتي من خلالها حققوا مكاسب مهمة؛ وإن ما أخشاه هو أن يكون اعتقال الأخ الحيرش بالخصوص يدخل في إطار الانتقام منه نتيجة مؤازرته للعمال المضربين، وإن ما أخشاه كذلك هم أن تكون هذه الاعتقالات تهدف إلى تسفيه حق الإضراب ــ الذي قدم كجريمة ضد الوطن ــ وتحضير الرأي العام للقبول بالقانون التكبيلي لحق الاضراب.
مهما يكن من أمر، فإني أضم صوتي للمطالبة بالإفراج عن المسؤولين النقابيين المعتقلين.
ماذا يجري في أم النقابات، منذ نشر تحقيق المساء حول "تعايش النضال والاختلال" بالاتحاد المغربي للشغل؟
نشر تحقيق جريدة المساء يوم 23 فبراير 2012؛ وقد تضمن بعض نماذج الفساد والريع النقابي داخل الاتحاد، كما تضمن بعض النماذج للممارسات البيروقراطية المنافية للديمقراطية التي يجب أن تسود داخل مركزية نقابية عمالية. وما جاء به تحقيق المساء لم يكن جديدا لا بالنسبة للمناضلين/ات الديمقراطيين ولا بالنسبة للبيروقراطية حيث سبق نشر تلك المعطيات هنا وهناك بصفة متفرقة بالاعتماد أساسا على تقارير سبق وضعها من طرف المفتشية العامة للمالية أو المجلس الأعلى للحسابات أو جمعية فرنسا ــ الحريات. لكن جانب الإثارة في التحقيق هو طريقة تقديم المعطيات والمزج بين الوجهين المتعايشين داخل نفس المركزية: البيروقراطية والفساد من جهة والمواقف الإيجابية للمركزية بل والنضالات الذي يتم خوضها باستمرار من طرف تنظيمات المركزية من جهة أخرى.
إن هذا المقال أثار غضب البيروقراطية المفسدة المتنفذة في قيادة الاتحاد وهو ما دفعها إلى تجييش مناصريها داخل اللجنة الإدارية وفي الاتحادات المحلية والجامعات الوطنية الموالية لها. وفي هذا الإطار، تمت الدعوة إلى اجتماع اللجنة ألإدارية للاتحاد في دورتها الرابعة بعد المؤتمر يوم 05 مارس 2012. وداخل الأمانة الوطنية، الجهاز التنفيذي للمركزية، كانت النقاشات هادئة وتم التحضير لاجتماع اللجنة الإدارية بشكل روتيني وكان جدول أعمال اللجنة ألإدارية الرسمي عاديا يتضمن تقريرا عن الأوضاع النقابية وعن أنشطة الاتحاد منذ اجتماع المجلس الوطني لشهر دجنبر 2011 وبرنامج العمل بالنسبة للأشهر القادمة خاصة في مجال التنظيم الذي ظل يعرف اختلالات كبيرة نتيجة عدم تطبيق المقرر التنظيمي الصادر عن المؤتمر العاشر للاتحاد المنعقد في دجنبر 2010.
وبالموازاة مع التحضير العادي للجنة الإدارية، كانت الاستعدادات على قدم وساق لتجييش مناصري البيروقراطية المفسدة حتى يصبح اجتماع اللجنة الإدارية مناسبة لمحاكمة التوجه الديمقراطي داخل المركزية بعد تحميله مسؤولية ما نشر في تحقيق المساء ومناسبة لانطلاق المخطط التأمري الهادف إلى القضاء على التوجه الديمقراطي المناهض للفساد داخل المركزية.
كيف بدأ هذا المخطط ؟ وماذا كانت انعكاساته على ما وصفته بالتوجه الديمقراطي داخل المركزية؟
منذ انطلاق اجتماع اللجنة الإدارية ليوم 05 مارس، تم تغيير جدول الأعمال الذي أصبح يتضمن عمليا نقطة واحدة: مقال المساء وتداعياته.
انقسمت اللجنة الإدارية إلى اتجاهين أساسيين:
الاتجاه ألأول، والذي كان هو السائد عدديا، اعتبر أن المسؤولية عن مقال المساء تتحملها العناصر النقابية المرتبطة بحزب النهج الديمقراطي الذي اتهم بالسيطرة على الاتحاد الجهوي بالرباط وبالعمل على السيطرة على المركزية ككل؛ وتبعا لذلك طالب بحل جميع أجهزة الاتحاد الجهوي للرباط، سلا، تمارة وطرد عدد من القياديين أو تقديميهم أمام لجنة تأديبية.
الاتجاه الثاني، والذي سبق أن تحفظ على تغيير جدول أعمال الاجتماع، اعتبر أن تحقيق المساء يدخل في إطار حرية الصحافة، وأنه بإمكان المتضررين منه أن يراسلوا الجريدة لتصحيح المعطيات التي يعتبرونها خاطئة، بل من حقهم أن يصلوا إلى رفع دعوة قضائية ضد الجريدة إذا اعتبروا أن التقرير فيه افتراءات وأنه أساء إليهم.
وكانت خلاصة اجتماع اللجنة ألإدارية التي قرأها ابراهيم قرفة، البيروقراطي المحنك، مفجعة ومنافية للقانون الأساسي للمركزية:
ــ حل جميع أجهزة الاتحاد الجهوي لنقابات الرباط، سلا، تمارة وهي الأجهزة التي انتخبها آخر مؤتمر عقده الاتحاد الجهوي.
ــ استبدال هذه الأجهزة بلجنة للتسيير مكونة من 12 عضوا لم يتداول أي أحد قبل ذلك حولهم، بل منهم من فوجئ باسمه داخلها. وقد تم وضع هذه اللجنة لدى السلطة المحلية بالرباط التي سلمتها وصل الإيداع القانوني وكأنها مكتب جهوي شرعي.
ــ اتخاذ قرار بطرد عبد السلام أديب، الكاتب العام للنقابة الوطنية للمالية وبتقديم عبد الله لفناتسة عضو اللجنة الإدارية للاتحاد المغربي للشغل أمام لجنة تأديبية.
مع هذه الخلاصة، فهمنا أنه شرع في تنفيذ مخطط تآمري ضد التوجه الديمقراطي داخل المركزية، وأن الهجمة على تحقيق المساء كانت مجرد ذريعة لتبرير الشروع في تنفيذ المخطط المشؤوم.
ما الذي وقع بعد ذلك؟
كل ما وقع بعد ذلك داخل المركزية، كان مجرد تنزيل للمخطط التآمري:
ــ إغلاق مقر الاتحاد الجهوي بالرباط منذ 09 مارس إلى الآن في وجه القطاعات والمناضلين/ات الديمقراطيين؛ عقد مهرجان خطابي يوم 13 ماي بالمقر سمي مؤتمرا جهويا انبثق عنه مكتب لا شرعي لأن جل القطاعات والمناضلين/ات منعوا من دخول المقر.
ــ مبادرة وإشراف العناصر البيروقراطية المتنفذة في الأمانة الوطنية على تقسيم عدد من القطاعات والاتحادات المحلية: هكذا أصبح لنا نتيجة هذا التصرف اللامسؤول مكتبان جهويان للاتحاد الجهوي بالرباط سلا تمارة، ومكتبان محليان للاتحاد المحلي بتازة، ومكتبان وطنيان لكل من الجامعة الوطنية للتعليم والجامعة الوطنية لعمال وموظفي الجماعات المحلية والاتحاد النقابي للموظفين؛ بل إن فاروق شهير نائب الأمين العام للمركزية ومهندس المخطط التآمري التخريبي للاتحاد قام بمعية نور الدين سليك بمحاولة فاشلة لتقسيم الجامعة الوطنية للقطاع الفلاحي هي الأخرى.
ولحسن حظ المركزية، فإن جميع المكاتب الموالية للبيروقراطية لا تمثل إلا أصحاب المصالح وهي آخذة في التفكك في حين أن المكاتب المرتبطة بالاتجاه الديمقراطي تحظى بمشروعية ديمقراطية مؤكدة، علاوة على مواصلتها لقيادة النضالات النقابية رغم كل المعوقات.
تتحدثون عن الفساد والريع بمركزية بن الصديق، ألم تكونوا على علم بهذا الفساد قبل أن تنفجر المواجهة؟ فلماذا سكتم عليه لعقود؟
معرفتنا بالبيروقراطية وأساليبها اللاديمقراطية، ومعرفتنا بالفساد المرتبط بالريع النقابي ليست جديدة، وإن كان هناك تفاوت في درجة هذه المعرفة بين الوجه ألأول والوجه الثاني.
شخصيا كنت أعرف جيدا الممارسات البيروقراطية سواء من خلال تجربتي المباشرة أو من خلال اطلاعي على تجارب الآخرين.
من لا يعرف أن الاتحاد المغربي للشغل انتخب عند تأسيسه القائد النقابي الطيب بن بوعزة ككاتب عام للمركزية؟ إلا أن المحجوب بن الصديق زيف الواقع وابتز الجميع ونصب نفسه كاتبا عاما للإتحاد. البيروقراطية انطلقت إذن في أبشع مظاهرها منذ البداية.
وأنا شخصيا عشتها في اجتماعات المجالس الوطنية، من خلال مشاركتي في المؤتمر الثامن (1989) والمؤتمر التاسع (1995)، وعشتها في الرباط عن قرب وبدقة قبل المؤتمر العاشر (يناير 2002) الذي مكن الديمقراطيين من الوصول لقيادة الاتحاد الجهوي. كما عشت البيروقراطية بشكل حميمي من خلال الاضطهاد الذي عشته سنة 2005 وعاشه العديد من الديمقراطيين بعد أن وجهت رسالة يوم 20 فبراير 2005 للمحجوب بن الصديق بصفته أمينًا عامًا للاتحاد أطالبه فيها باتخاذ التدابير لعقد المؤتمر العاشر بعد أن مرت آنذاك 10 سنوات على انعقاد المؤتمر التاسع.
لم نكن نصمت على الممارسات البيروقراطية، إنما كنا نواجهها بالأسلوب الملائم: فمن جهة كنا ننتقدها بالأسلوب الذي لا يفوت على البيروقراطيين فرصة عزلنا، ومن جهة ثانية كنا نعمل على بناء تنظيمات نقابية ديمقراطية تشكل جزرا للديمقراطية داخل الاتحاد. وكانت أولى هذه الجزر الديمقراطية الجامعة الوطنية للقطاع الفلاحي، ثم الجامعة الوطنية للماء الصالح للشرب؛ بعد ذلك تم تشييد جزيرة ديمقراطية أخرى في جهة الرباط سلا تمارة، تلاها بناء الاتحاد النقابي للموظفين ثم الجامعة الوطنية لعمال وموظفي الجماعات المحلية، ثم العديد من فروع الجامعة الوطنية للتعليم وبعض الاتحادات المحلية مثل خريبكة وتازة وقلعة السراغنة والراشيدية والخميسات (التي تم تدبير انقلاب ضدها في 2005) والشاون وتارودانت وتاونات ... ومن جهة ثالثة كنا في إطار التكوين النقابي نعطي أهمية خاصة لترسيخ الثقافة التنظيمية الديمقراطية داخل المركزية والتي تعد النقيض للمسلكيات البيروقراطية السائدة.
أما فيما يخص الفساد، فكانت معلوماتنا شحيحة في هذا المجال، ولم تكن لنا ملفات دقيقة للتصدي من خلالها لكبار المفسدين. ما كنا نعرفه هو غياب تقارير مالية وتستر الأمانة الوطنية بقيادة المحجوب بن الصديق وكذا الأمانات المحلية والقطاعية عن الجانب المالي في حياة المنظمة. كنا نعرف كذلك أن ضيعة كبيرة فوتت في إطار الريع النقابي ودون أدنى مبرر لنجل المحجوب بن الصديق في حد السوالم وأن مطبعة الاتحاد أمبريجيما تم تفويتها لعائلة المحجوب.
وطبعا اطلعنا كسائر الموطنين على الملف المهم والمثير الذي نشرته أسبوعية المشعل (العدد 198 في 22 يناير 2009) تحت عنوان "فضائح ابنة ملك الكادحين" والذي جاء بمعطيات دقيقة عن الفساد الذي كان يرعاه الأمين العام السابق.
ومع ذلك، لم نكن نسكت عن مظاهر الريع النقابي والفساد المالي داخل المركزية. ويكفي أن نشير هنا إلى دورنا كديمقراطيين داخل المؤتمر الوطني العاشر للمركزية حيث ضغطنا من أجل استصدار توصية لإحصاء ممتلكات الاتحاد والعمل على استرجاعها للمنظمة وهي التوصية التي لم تطبق لحد الآن. ويكفي أن نشير كذلك إلى أننا كديمقراطيين ضغطنا في بداية هذه السنة وقبل نشر تحقيق المساء بمدة وجيزة من أجل وضع تقرير حول مالية الاتحاد منذ المؤتمر العاشر خاصة وأن الأمانة الوطنية الحالية التي نحن جزء منها هي المسؤولة عن التدبير المالي ولا يمكن التذرع بممارسات الأمين السابق في هذا المجال.
وقد يكون إلحاحنا على التقرير المالي هو النقطة التي أفاضت الكأس بالنسبة للمفسدين وسرعت بانطلاق المخطط التأمري ضد الديمقراطيين داخل المركزية لأن البيروقراطية المفسدة لا تقوى نهائيا على كشف حسابات الاتحاد سواء تعلق الأمر بمبيعات بطائق الانخراط والمداخيل المترتبة عنها أو بالمداخيل الأخرى ومنها الدعم المالي للدولة والمشاريع المنجزة مع الفرقاء أو تعلق الأمر بالمصاريف. وإنني هنا أتحدى أمين مالية الاتحاد أن يكشف مثلا عن عدد بطائق الانخراط التي تم توزيعها سنة 2011 (أول سنة بعد المؤتمر العاشر) وعن مداخليها المالية !
ألا تخفي هذه الأزمة، مواجهة خفية بين النهج الديمقراطي وبعض اليسار مع المجموعة النافذة في الاتحاد حول السيطرة على قيادة المركزية؟
هناك خلاف قديم لازال مستمرا لحد الآن داخل المركزية بين الديمقراطيين المناهضين للفساد والبيروقراطية المفسدة المتنفذة في قيادتها. وهذا الخلاف يتمحور حول إشكال الغاية من العمل النقابي: خدمة الطبقة العاملة أو استخدامها؟ هل يكون العمل النقابي في خدمة المصالح النقابية المباشرة (تحسين أوضاع الطبقة العاملة في ظل الأوضاع المجتمعية الراهنة) والمصالح البعيدة المتجسدة في القضاء على الاستغلال وهو جوهر ويلات الطبقة العاملة؟ أم يكون العمل النقابي في خدمة المصالح الخاصة والضيقة؟ وطبعا الجواب يختلف جوهريا عندما ننتقل من البيروقراطية المفسدة إلى الديمقراطيين المناهضين للفساد.
ثم هناك خلاف حول مبادئ الاتحاد، حيث هناك داخل المركزية من يحصرها في ثلاثة (الوحدة والاستقلالية والديمقراطية) وهناك من يحصرها في ستة بإضافة الجماهيرية والتضامن والتقدمية للمبادئ الثلاثة السابقة. ولحسن الحظ أن المؤتمر العاشر حسم هذا النقاش لصالح الاتجاه الثاني.
وهناك كذلك خلافات حول مواقف سياسية يمكن على سبيل المثال أن نذكر من بينها ما وقع في الأشهر الأولى من سنة 2011 خاصة بعد انطلاق حركة 20 فبراير المجيدة.
الصراع تمحور حول مدى الدعم الذي يجب تقديمه للحركة. فبينما كان الاتجاه التقدمي في الأمانة الوطنية يدفع نحو الدعم الصريح للحركة بل والمشاركة الفاعلة في تظاهراتها، على غرار ما وقع في تونس الشقيقة التي لعب فيها الاتحاد العام للعمال للتونسيين دورا أساسيا في دعم الثورة البوعزيزية، ظل الاتجاه المحافظ في الأمانة الوطنية يعارض الدعم الصريح والعملي للحركة. وقد وصلنا إلى حل وسط هو الدعم المبدئي لحركة 20 فبراير (تم التعبير عنه في بلاغ 22 فبراير للأمانة الوطنية) مع ترك الصلاحيات للاتحادات المحلية وللجامعات لاتخاذ الموقف التي تراه مناسبا. ومع ألأسف، نرى الآن وبعد الردة التي تعرفها المركزية منذ 05 مارس 2012 أن الأمانة الوطنية أسقطت حركة 20 فبراير من انشغالاتها.
وتمحور الصراع كذلك حول الموقف من الدستور المعدل المطروح لاستفتاء فاتح يوليوز 2011، حيث طالبنا نحن أعضاء الأمانة الوطنية الثلاثة الذين سيتم الإعلان عن طردهم في 22 مارس 2012 بترك الحرية لأعضاء مركزيتنا بشأن اتخاذ الموقف المنسجم مع قناعاتهم السياسية وهذا ما جرى به العمل بالنسبة لمشروعي تعديل الدستور لسنتي 1992 و1996؛ وقد فرض الجناح المحافظ في الأمانة الوطنية على المركزية ككل أن تتخذ موقف التصويت بنعم على الدستور المعدل.
كما أن الصراع بين الجناحين داخل المركزية تمحور حول تنزيل نتائج المؤتمر الوطني العاشر للاتحاد الذي قرر من خلال المقرر التنظيمي إعطاء أهمية خاصة للتنظيم وللثقافة التنظيمية الديمقراطية. وقد كنا كاتجاه ديمقراطي داخل الأمانة وداخل اللجنة الإدارية نلح على الإسراع بتطبيق البرنامج التنظيمي في حين أن الجناح المحافظ ظل يعرقل هذه العملية إلى حين ترتيب الأوراق لقطع الطريق أمام التوجه الديمقراطي. وهذا ما وقع بالفعل بالنسبة لعقد مؤتمري الاتحاد الجهوي بالرباط، سلا، تمارة والجامعة الوطنية للتعليم. بل أكثر من ذلك فقد تم تجميد دائرة التنظيم بعد تشكيلها وبعد أن شرعت في اجتماعاتها بشكل لم يكن يرضي الاتجاه السائد داخل الأمانة الوطنية.
أين قيادة المركزية من كل ذلك؟
كل هذا لأقول أن الخلافات قائمة بين الديمقراطيين ــ ومن ضمنهم أعضاء النهج الديمقراطي ــ والبيروقراطيين منذ زمان، وقد امتدت هذه الخلافات بعد انطلاق حركة 20 فبراير. لكننا كديمقراطيين لم يكن أبدا في جدول أعمالنا السيطرة على قيادة المركزية كما ورد في سؤالك، وذلك لسبب بسيط هو أن الظروف العامة بالبلاد لا تسمح بذلك. إن هدفنا الأسمى والبعيد هو طبعا تحرير الحركة النقابية لتشتغل على أسس المبادئ الستة الواردة في ديباجة القانون الأساسي للإتحاد، وعلى أساس شعار "خدمة الطبقة العاملة وليس استخدامها". ونحن في النهج الديمقراطي .ــ وأنا بالمناسبة أعتز بانتمائي لهذا الحزب المناضل الذي قدم تضحيات جسام من أجل وطننا وشعبنا والطبقة العاملة والاتحاد المغربي للشغل سواء في الماضي في إطار منظمة إلى الأمام أو حاليا في إطار عمله الشرعي ــ رغم مواقفنا السياسية الواضحة من الأوضاع لا نطمح للسيطرة على قيادة المركزية وإن كنا نقبل بالمشاركة فيها من موقع الأقلية، وذلك لأننا واقعيين وندرك أن الشروط غير مناسبة ونعرف أن سيطرتنا على قيادة المركزية على حد تعبيرك ستسيء للمركزية لأنها في هذه الحالة ستؤلب ضدها المخزن وكل أعداء الطبقة العاملة وهذا ما نسعى لتفاديه قبل أي كان.
نشهد فك الارتباط على مستوى القانون الأساسي من طرف الاتحاد النقابي للموظفين والجامعة الوطنية للتعليم والجامعة الوطنية لعمال وموظفي الجماعات المحلية مع المركزية. فماذا تقصدون بفك الارتباط مع المركزية الأم؟ وهل سنشهد ميلاد مركزية جديدة؟
إنني لا أفكر أبدا في المساهمة في تأسيس مركزية نقابية جديدة. فأنا شخصيا ناضلت وسأستمر في النضال من أجل الوحدة النقابية في إطار مركزية نقابية عمالية واحدة. وقد كنت من خلال كتاباتي وممارستي من أشد المنتقدين للتقسيم النقابي ببلادنا وهو الذي أضعف الحركة النقابية ككل ومكن من الإجهاز على العديد من مكاسبها وعطل تحقيق العديد من مطالبها الأساسية.
ويوم 05 مارس أثناء اجتماع اللجنة ألإدارية وعلى ضوء قراراتها المشؤومة صرخت وأنا في منصة التسيير في وجه الجميع بما مفاده :"مخطئ وواهم من يظن أنه بالتضييق علينا وباضطهادنا سيدفعنا إلى الخروج من الاتحاد المغربي للشغل؛ إننا سنظل مناضلين داخل الاتحاد وشعارنا هو "بت نبت، إنا هنا مناضلون، وعهد الله ما نرحل" وأضفت "أننا كمناضلين/ات لنا شعار آخر في العمل الجماهيري وهو أن "ماشي الخايب اللي غادي يجري على المزيان، بل المزيان هو اللي غادي يجري على الخايب". أليس هذا منتهى الوضوح ؟
وهنا تفطنت البيروقراطية المفسدة لعزيمتنا على البقاء داخل الاتحاد المغربي للشغل مهما كانت المضايقات والتضحيات؛ ولهذا بدأت تعمل بتعاون مع السلطات المخزنية المتواطئة معها على جعلنا من الناحية القانونية والعملية في وضعية هشة لا تسمح لنا باستعمال مقرات الاتحاد ولا تسمح لنا بالتفاوض لما فيه مصلحة الفئات المنظمة في القطاعات والاتحادات المحلية الديمقراطية، ولا تسمح لنا بالترشح لانتخابات مندوبي ألأجراء وممثلي الموظفين والمستخدمين في اللجان الثنائية.
وكانت وسيلتها لبلوغ هذه ةالغاية هي التقسيم من الفوق، التقسيم الذي تشرف عليه العناصر الاستئصالية داخل الأمانة الوطنية وعلى رأسها مهندس التخريب النقابي فاروق شهير نائب الأمين العام للمركزية وديكتاتور الجامعة الوطنية لمستخدمي الأبناك ورئيس الشبيبة العاملة المغربية رغم وصوله لسن التقاعد. وهكذا بادرت البيروقراطية التقسيمية إلى عقد اجتماعات و"مؤتمرات" لتشكيل مكاتب موالية لها وتحظى بدعم السلطات المخزنية التي سلمتها وصول الإيداع القانونية بسرعة فائقة. وهذا ما وقع في الاتحاديين الجهويين بالرباط وتازة وما وقع بالنسبة لقطاعات التعليم والجماعات المحلية والاتحاد النقابي للموظفين وما يخطط له بالنسبة للقطاع الفلاحي ولقطاعات أخرى.
إن ما يقع في مركزيتنا شيء غريب ــ فبينما جرت العادة أن يبادر للتقسيم ضحايا الممارسات اللاديمقراطية فنحن نلاحظ أن البيروقراطية المتنفذة في الاتحاد هي التي تبادر للتقسيم من أجل تحصين مواقعها والدفاع عن مصالحها الضيقة، عابثة بوحدة المنظمة بعد أن عبثت بمبادئ الاستقلالية ــ مع اصطفافها لجانب الباطرونا والسلطات المخزنية ــ والديمقراطية والتقدمية.
لكن بماذا واجهتم كل ذلك؟
وعودة إلى سؤالك، أشير إلى أننا أمام الممارسات التقسيمية من الفوق للبيروقراطية وما ترتب عنها من هشاشة لمواقعنا ونظرا لتشبثنا بمركزيتنا فقد أبدعنا الحل المناسب؛ وقد كانت الجامعة الوطنية للتعليم هي صاحبة هذا الإبداع حيث اتخذت أثناء مؤتمرها الشرعي العاشر المنعقد بالرباط يومي 5 و6 ماي 2012 قرارا "بفك الارتباط مؤقتا على مستوى القانون الأساسي مع المركزية وذلك لتعزيز موقعها في الصراع ضد البيروقراطية المفسدة وخلق شروط فرض احترام الديمقراطية الداخلية كأساس لوحدة القطاع".
إن فك الارتباط يعني فقط أننا بدل أن يكون انتماءنا للمركزية متضمنا في القانون الأساسي للتنظيم القطاعي فهو يتم على مستوى آخر متحكم فيه ــ المبادئ المشتركة، وثائق المؤتمر، قرارات اللجنة ألإدارية ــ لا يسمح للبيروقراطية باستعمال الممارسات القانونية البلطجية التي تعودت عليها لخنق التنظيم القطاعي ووضعه تحت رحمتها.
ولا بد للإشارة، أن إجراء فك الارتباط يظل مؤقتا؛ فمجرد جنوح البيروقراطية لاحترام قوانين المركزية وقوانين التنظيمات القطاعية سيتم العودة للوضعية السابقة.
ومهما يكن من أمر، فرغم فك الارتباط على مستوى القانون الأساسي القطاعي، فهذه القطاعات تظل جزءا لا يتجزأ من الاتحاد المغربي للشغل.
إن هذا القرار تطلب كثيرا من الجهد لاستيعابه من طرف المناضلين/ات الذين أيقنوا في الأخير أنه يخدم التشبث بالوحدة داخل الاتحاد، ويمكن من التصدي للبيروقراطية المفسدة داخل القطاع ولمناصريها في الأمانة الوطنية.
ما تقييمكم لمسيرة 27 ماي التي دعت إليها مركزيتي الكنفدرالية والفيدرالية والتي شاركتم فيها كجناح مغضوب عليه ومطرود من الاتحاد؟
عند إعلان الكنفدرالية والفيدرالية عن تنظيم المسيرة العمالية الشعبية ليوم 27 ماي الماضي، تحمسنا كثيرا كمناضلين/ات ديمقراطيين داخل الاتحاد المغربي للشغل لهذه المبادرة النضالية الوحدوية على اعتبار أن الحوار الاجتماعي الذي انطلق في شهر أبريل والذي وصفناه بالحوار الأعرج والعقيم والمغشوش كان مجرد ملهاة وربحا للقوت، وأنه كان لابد من مبادرة نضالية في المستوى للتصدي للمخططات الحكومية الهادفة إلى الالتفاف حول مكاسب الموظفين والمستخدمين والعمال، وعلى اعتبار ثانيا أننا نؤمن بشعار الوحدة النضالية في أفق الوحدة النقابية التنظيمية التي تطمح لها الطبقة العاملة.
وقد راسلنا نحن أعضاء الأمانة الوطنية الثلاثة (خديجة غامري وعبد الرزاق الإدريسي وعبد الحميد أمين) باقي أعضاء الأمانة الوطنية للاتحاد وناشدناهم للمشاركة في هذه التظاهرة الوحدوية لكن دون جدوى، لأن العناصر المتنفذة في قيادة مركزيتنا ظلت دائمًا تعارض العمل النقابي الوحدوي خاصة إذا تعلق الأمر بمبادرات وحدوية لها طبيعة نضالية.
مهما يكن من أمر فقد شرفنا الاتحاد المغربي للشغل من خلال مشاركتنا كتوجه ديمقراطي في المسيرة العمالية الشعبية، وشاركنا بالخصوص من خلال الاتحاد النقابي للموظفين والجامعة الوطنية للتعليم والجامعة الوطنية للقطاع الفلاحي والجامعة الوطنية لعمال وموظفي الجماعات المحلية والاتحاد الجهوي للرباط، سلا، تمارة واتحادات محلية وقطاعات مهنية أخرى.
أما عن تقييمنا للمسيرة فقد كانت ناجحة. شارك فيها بحماس عشرات الآلاف من الأجراء ومن الجماهير الشعبية. ونحن طالبنا بألا تبقى هذه المبادرة يتيمة وأن يتم اتخاذ مبادرات نضالية من مستوى أعلى وضعنا على رأسها الإضراب العام الوطني الذي يجب التحضير له بجدية ومنذ الآن كجواب على الإجراءات اللاشعبية للحكومة الحالية والتي يرعاها المخزن وكذا المؤسسات المالية العالمية. ونحن سنعمل من جهتنا على أن تكون مشاركة الاتحاد المغربي للشغل أوسع وأقوى خلال المبادرات النضالية الوحدوية المقبلة.
شهدنا حراكا اجتماعيا وسياسيا ببلادنا طيلة السنة الماضية، لماذا في رأيكم غابت عنه الحركة النقابية؟
سنة 2011 كانت سنة حركة 20 فبراير بامتياز؛ وكانت سنة الربيع النضالي الديمقراطي المغربي حيث شاركت جماهير الشباب والجماهير الشعبية بصفة عامة في تظاهرات عارمة بمختلف المدن مطالبة بإسقاط الاستبداد والقهر والظلم والفساد وبإقرار مغرب الكرامة والحرية والمساواة والعدالة الاجتماعية والديمقراطية وحقوق الإنسان. وفي أوج الحركة شارك فيها مئات الآلاف من المواطنين وأحيانا في أزيد من مئة مدينة.
إلى جانب حركة 20 فبراير، باعتبارها حركة سياسية بالأساس، كانت هناك العديد من النضالات ذات الطابع الاجتماعي: نضالات نقابية للموظفين والمستخدمين والعمال ، نضالات طلابية، نضالات المعطلين من أجل الشغل، نضالات شعبية من أجل السكن والصحة والأرض والماء والحياة الكريمة، نضالات حقوقية ونضالات نسائية.
إذن، باعتبار النضالات النقابية التي عرفتها بلادنا في 2011، فإن الحركة النقابية لم تكن غائبة عن الحراك الاجتماعي بمعناه الواسع والذي شمل حركة 20 فبراير بالإضافة إلى النضالات الاجتماعية.
لكن ما يجب الإقرار به هو أن الحركة النقابية تواجدت بشكل ضعيف على مستوى حركة 20 فبراير؛ ولا أقول أنها غابت عنها، لأن آلاف النقابيين خاصة من القطاعات الديمقراطية التقدمية داخل الاتحاد المغربي للشغل وفي مركزيات نقابية أخرى شاركت في التظاهرات التي نظمتها حركة 20 فبراير.
إذن وحتى أتفاعل مع سؤالك، فالسؤال المطروح لماذا ضعف مشاركة الحركة النقابية في حركة 20 فبراير؟
لسبب بسيط هو أن القيادات والنقابية لم تكن عموما ترغب في تلك المشاركة ذات الطابع السياسي ــ مناهضة الاستبداد والفساد ــ وأن القواعد النقابية والاتجاهات الديمقراطية التقدمية لم تكن لها القوة الكافية لفرض موقف المشاركة المكثفة والفاعلة للحركة النقابية في حركة 20 فبراير.
وحتى أبقى في الإطار الذي أعرفه جيدا، لقد احتدم الصراع داخل الاتحاد المغربي للشغل بين التوجه البيروقراطي المحافظ والتوجه الديمقراطي التقدمي حول مشاركة الحركة النقابية في حركة 20 فبراير؛ فبينما سعى هذا الأخير إلى ضمان هذه المشاركة بقوة ــ إسوة بالتجربة التونسية ودور المنظمة النقابية في المسيرة الثورية ــ عبر اتخاذ مواقف مساندة للحركة وعبر المشاركة فيها، وعبر تشكيل لجان نقابيو 20 فبراير، نجد أن التوجه المحافظ فضل الدخول في توافق سياسي مع المخزن مقابل مكتسبات مادية لها مفعول مؤقت في إطار الحوار الاجتماعي، بدل المشاركة في الصراع السياسي المؤدي إلى مكتسبات سياسية من شأنها أن تحسن بشكل نوعي موقع الطبقة العاملة في المجتمع، وبالتالي أن تخدم مصالحها المادية والاجتماعية بشكل أفضل.
وأكيد أن مشاركة الحركة النقابية في حركة 20 فبراير، كان إحدى النقط الخلافية والأساسية التي فجرت الصراع داخل مركزيتنا بين الجناح البيروقراطي المحافظ والجناح الديمقراطي التقدمي، ولازال مستمرا.
في البداية لا بد من الإشارة إلى أنه منذ انطلاق الحوار الاجتماعي في صيغته الجديدة في 2008 لم يتم توقيع أي اتفاق بين الحكومة والنقابات إلا في سنة 2011. وهذا يبين الدور الذي لعبته حركة 20 فبراير في الحصول على اتفاق 26 ابريل 2011. وما يؤكد ذلك هو أن التراجع النسبي لحركة 20 فبراير سنة 2012، جعل الحكومة تتراجع عن بعض بنود اتفاق 26 ابريل، نذكر منها:
ــ توحيد الحد الأدنى للأجور في الفلاحة والصناعة والتجارة؛
ــ المصادقة على الاتفاقية الدولية رقم 87 الخاصة بالحريات النقابية؛
ــ إلغاء أو تعديل الفصل 288 من القانون الجنائي؛
ــ إحداث تأمين لتعويض العمال في حالة إفلاس المقاولة؛
ــ تمتيع موظفي الدولة الرسميين من التأمين عن حوادث الشغل. وفي هذا الباب تجدر الإشارة إلى أن التأمين عن حوادث الشغل إجباري ويطبق في القطاع الخاص والمنشآت العمومية والجماعات المحلية وعلى المؤقتين بالإدارات العمومية. لكن الموظفين الرسمين بالإدارات العمومية لا يستفيدون من هذا التأمين.
كيف تقرؤون المبررات التي تقدمها حكومة بنكيران لتأخير تنفيذ بنود هذا الاتفاق والتغاضي عن البعض الآخر، كتدارك الفارق بين الحد الأدنى للأجر الفلاحي والحد الأدنى المطبق في الصناعة والخدمات، والتصديق على الاتفاقيات الدولية التي ورد حصرها في محضر 26 أبريل؟
لم تقدم الحكومة أي تبرير فيما يخص عدم الالتزام بتوحيد الحد الأدنى للأجور؛ وهي تقترح فتح المفاوضات من جديد حول هذا الموضوع مع المشغلين (بكسر الغين) مع العلم أن هؤلاء شاركوا في المفاوضات التي سبقت توقيع اتفاق 26 ابريل.
وفيما يخص التراجع عن المصادقة على الاتفاقية الدولية 87، ترى الحكومة بأن الدستور الجديد يتناقض مع مضمون هذه الاتفاقية ذلك ان بعض الفئات كرجال القضاء يحرمون بموجب الدستور الجديد من ممارسة الحق النقابي، في حين أن الاتفاقية رقم 87 تسمح لهم بذلك.
ولا بد من التذكير هنا بأن الاتفاقية الدولية 87 تعتبر من الاتفاقيات الدولية الأساسية وهذا الصنف من الاتفاقيات يفرض احترامه على جميع الدول سواء صادقت عليها أم لا.
وللإشارة كذلك، فإن المركزيات النقابية التي صوتت بنعم على الدستور المعدل ومن ضمنهم الاتحاد المغربي للشغل قد تجد اليوم نفسها مضطرة للمطالبة بتعديل هذا الدستور لأنه يتضمن تراجعات على بعض المكتسبات؛ وعلى سبيل المثال يفرض هذا الدستور وضع قانون تنظيمي لممارسة حق الإضراب الشيء الذي ترفضه جل النقابات ومن ضمنها الاتحاد المغربي للشغل.
وبالنسبة للفصل 288 من القانون الجنائي فهذه حكاية طويلة، حيث أن جميع الاتفاقات الناتجة عن الحوار الاجتماعي من اتفاق فاتح غشت 1996 إلى اتفاق 26 أبريل 2011، تضمنت التزام الحكومة بإلغائه أو تعديله لكون هذا الفصل الذي يجرم الإضراب يعتبر لادستوريًا. ولحد الآن مازال العديد من المناضلين النقابيين والأجراء بصفة عامة يسجنون ويحاكمون بموجب هذا الفصل لأنهم فقط مارسوا حق الإضراب الدستوري.
وإن الحكومات المتعاقبة منذ 1996 لم تف بالتزاماتها بإلغاء أو تعديل هذا الفصل وربطت إلغاءه بالمصادقة على القانون التنظيمي للإضراب الشيء الذي يؤكد أن الهدف المنشود من هذا القانون هو تكبيل ممارسة حق الإضراب، كما هو الشأن حاليًا بالنسبة للفصل 288.
أما بالنسبة للتأمين عن إفلاس المقاولات والتأمين عن حوادث الشغل بالنسبة للإدارات العمومية وكذلك إحداث درجة جديدة بالنسبة لبعض الفئات من الموظفين، فإن الحكومة تؤجل تطبيق هذه الالتزامات من دون إعطاء أي مبرر.
ما الحاجة لمثل هذه الاتفاقيات الدولية بالنسبة للشغيلة؟
إن المصادقة على الاتفاقيات الدولية للشغل، مثلها مثل المصادقة على المواثيق الدولية لحقوق الإنسان، يلزم الحكومة بتطبيق بنود هذه الاتفاقيات وهو ما يمر عبر ملاءمة القوانين مع هذه الاتفاقيات. فعلى سبيل المثال إن المصادقة على الاتفاقية 87 سيلزم الدولة باحترام أكبر للحريات النقابية وسيمكن القضاة وحاملي السلاح كرجال الشرطة والغابويين والجمركيين من ممارسة الحق النقابي بحرية.
كيف تقيمون سير الحوار الاجتماعي الجاري في القطاع الخاص والعمومي لهذا الموسم؟
لقد سبق لنا نحن الأعضاء الثلاثة في الأمانة الوطنية المغضوب عليهم من طرف البيروقراطية (خديجة غامري، عبد الرزاق الإدريسي وعبد الحميد أمين) أن نعتنا الحوار الاجتماعي لهذه السنة بأنه حوار اجتماعي أعرج، عقيم ومغشوش.
قلنا أنه أعرج لسببين: الأول هو أن هذا الحوار لم ينشغل سوى بالوظيفة العمومية في حين أنه لم يتم التعرض لمشاكل أجراء المنشآت العمومية وكذا القطاع الخاص والثاني هو مشاركة جزء فقط من المركزيات الأكثر تمثيلية في الحوار (النقابتان الحكوميتان الاتحاد العام للشغالين بالمغرب والاتحاد الوطني للشغل بالمغرب والجناح البيروقراطي داخل الاتحاد المغربي للشغل) في حين أن كدش وفدش وكذا الاتجاه الديمقراطي داخل إ. م. ش الممثل في الاتحاد النقابي للموظفين لم يشاركوا في الحوار.
قلنا كذلك بأن الحوار كان عقيما لسبب واضح هو أنه لم يسفر عن اي نتيجة ملموسة بالنسبة للموظفين وظل الحديث يجري فقط عن منهجية الحوار!
كما قلنا بأن الحوار كان مغشوشا وذلك لسبب بسيط هو أنه في الوقت الذي كان الحوار جاريا، وهدفه طبعا تحسين أوضاع الموظفين وسائر الأجراء، قامت الحكومة بشكل مفاجئ ودون استشارة مكونات الحركة النقابية بزيادة ضخمة في أثمان بيع المحروقات مع ما ترتب عن ذلك من زيادة في الأثمان ألأخرى وبالتالي من تدهور المستوى المعيشي للمواطنين. أليس هذا حوار مغشوش؟
صناديق التقاعد وصندوق المقاصة موضوعان يستأثران باهتمام الفئات الشعبية والطبقة المتوسطة ويثيران جدلا قويا في الساحة الوطنية، ما هو تصوركم بهذا الخصوص؟
بالنسبة لإشكالية صناديق التقاعد لم تعمل الحكومات المتعاقبة لحد الساعة إلا على تأجيل مواجهتها.
فاللجنة الوطنية لإصلاح أنظمة التقاعد رأت النور في سنة 2004 ولم تصل إلى أي نتيجة لحد الساعة رغم صرف أموال باهظة لإنجاز دراسة ضخمة من طرف مكتب دراسات دولي حول الموضوع. والنتيجة هي أن ثلاثة حكومات فشلت لحد الساعة في مواجهة الإفلاس الذي يهدد هذه الصناديق وخاصة الصندوق المغربي للتقاعد الذي يهم الموظفين المدنيين والعسكريين. وأسباب الأزمة التي تعرفها صناديق التقاعد متعددة ويمكن إيجازها في النقط التالية:
ــ سوء التدبير لصناديق التقاعد ولمدخراتها؛
ــ عدم التصريح بأجراء القطاع الخاص لدى الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي؛
ــ غياب الشفافية في ما يخص مساهمة الدولة في تمويل الصندوق المغربي للتقاعد منذ تأسيسه؛
ــ تراجع التوظيف داخل قطاع الوظيفة العمومية بسبب سياسة التقشف المملاة على بلدنا من طرف المؤسسات المالية الدولية مما أدى إلى تراجع عدد الموظفين النشطاء بالنسبة لكل متقاعد من 12 في السبعينات إلى 3 في السنوات الأخيرة؛
ــ عدم المساواة في الاقتطاع والمساهمة ما بين الصناديق والأنظمة بحيث نجد بالنسبة للصندوق الوطني للضمان الاجتماعي والنظام الجماعي لمنح رواتب التقاعد أن الأجير يتحمل ثلث المساهمة والمشغل الثلثين في حين أن مساهمة الأجير بالنسبة للصندوق المغربي للتقاعد (النظام المدني) يتحمل الأجير النصف والدولة النصف الآخر مما يحرم هذا الصندوق من جزء كبير من المداخيل من شأن تأديتها أن يؤجل العجز الذي سيظهر هذه السنة في هذا الصندوق إلى ما بعد 2020.
أما بالنسبة لصندوق المقاصة فيظهر أن الدولة عازمة على تصفيته، وهذا ما قد يؤدي إلى زيادات خطيرة في أثمان المواد والخدمات الأساسية بالنسبة للموطنين، وبالتالي إلى تدهور أوضاعهم المعيشية بشكل غير مسبوق.
إن الإجهاز على صندوق المقاصة يبرَر بكون الفئات الغنية هي المستفيدة الكبرى من خدماته وبالتالي يطرح إلغاء الصندوق مع تمكين الفئات المعوزة من مساعدات خاصة.
شخصيا أعتبر أن تبريرات الحكومة للتخلص من صندوق المقاصة غير مقنعة وأنها في أحسن الأحوال قد تكون كلمة حق يراد منها باطل. لذا على الحركة النقابية المدافعة عن مصالح الشغيلة وعموم الجماهير الشعبية التشبث بصندوق المقاصة مع إصلاحه لحرمان الفئات الغنية من الاستفادة من خدماته أو مع سن ضرائب خاصة على الأثرياء ومحاربة التملص الضريبي.
ألا تعتبر مطالبكم مطالب تعجيزية، في شروط الأزمة الدولية التي تحاصر الاقتصاد الوطني وأمام ضعف تنافسية المقاولة المغربية ؟
إن الحكومات المتتالية دأبت على تبرير عجزها على التجاوب مع مطالب الجماهير الشعبية بعاملين أساسيين: الأزمة العالمية وانعكاساتها على الاقتصاد المغربي والجفاف.
ومن جهتنا نعتبر أن الانعكاسات السلبية للأزمة العالمية ليست قدرا محتوما؛ فيكفي العمل على بناء اقتصاد وطني مستقل موجه أساسا نحو سد الحاجيات الخاصة لشعبنا وليس حاجيات السوق العالمية وهو ما يتطلب جعل حد للنظام الاقتصادي السائد وهو بالمناسبة نظام الرأسمالية التابعة الممخزنة. ويكفي كذلك أن نعمل على بناء المغرب الكبير الاقتصادي والاجتماعي والسياسي لجعل حد لانفراد الدول الرأسمالية الكبرى بكل قطر مغاربي على حدى.
وفي الوقت، الذي يتم فيه الإجهاز على مكتسبات الجماهير الشعبية، بدعوى ضرورة مواجهة انعكاسات الأزمة العالمية على بلادنا نجد أن الرأسماليين الكبار وملاكي الأراضي الكبار وكبار أغنياء هذا البلد يعيشون حياة البذخ والإسراف هنا في المغرب وفي الخارج، بل إنهم يهربون أموالهم للخارج لضمان مستقبلهم، ومستقبل ذويهم هنا وهناك.
في هذه الأثناء، يتم مطالبة الجماهير الشعبية بشد الحزام وتأدية فاتورة الأزمة التي تسبب فيها الأغنياء.
خلاصة القول، إذا كانت هناك من انعكاسات للأزمة العالمية وللجفاف، فأول من يجب أن يؤدي الثمن هم الأغنياء وليس الفقراء.
لماذا تترددون في الحركة النقابية إزاء تقنين الإضراب وتنظيم العمل النقابي بقانون خاص بالنقابات على غرار قانون الأحزاب؟
بالنسبة للقانون التنظيمي للإضراب، والذي طرحت ضرورة بلورته منذ أول دستور عرفه المغرب في 1962 أي منذ نصف قرن، نحن في الاتحاد المغربي للشغل، نسجل أن جميع المشاريع التي بلورتها الحكومة لحد الآن، والتي وافقت عليها الباطرونا مبدئيا تسير في اتجاه تكبيل حق الاضراب، أي في اتجاه وضع عراقيل قانونية أمام ممارسة هذا الحق الذي يمارس اليوم بحرية نسبية من طرف مختلف فئات الشغيلة وكذا بالنسبة للطلبة رغم وجود الفصل 288 من القانون الجنائي ــ الذي يعاقب ما يسمى بعرقلة حرية العمل ــ وعراقيل قانونية أخرى.
ولو كان الأمر يتعلق بوضع قانون للإضراب من أجل تنظيم الممارسة والحرة لحق الإضراب بالنسبة لجميع فئات الشغلية (من عمال وموظفين ومستخدمين وتجار وحرفيين وفلاحين كادحين وأصحاب المهن الحرة)، وبالنسبة للطلبة والتلاميذ كذلك، لما اعترض أي نقابي على وضع قانون حول الإضراب. ولكن مادام الأمر يتعلق بوضع عراقيل ومكبلات لممارسة حق الإضراب، فلا يمكن القبول بالتخلي عن مكتسباتنا التاريخية في هذا المجال. ونحن لحد الآن تصدينا ونستمر في التصدي لأي مشروع يسعى إلى تكبيل حق الاضراب المضمون بموجب العهد الدولي حول الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية المصادق عليه من طرف المغرب منذ 03 ماي 1979.
أما فيما يخص ترددنا إزاء وضع قانون لتنظيم العمل النقابي، فيرجع إلى تخوفنا من أن تكون صياغة هذا القانون الجديد كبديل للتشريع الحالي فرصة للتراجع عن مكتسبات الطبقة العاملة في مجال الحريات والحقوق النقابية، خاصة ونحن في زمن الهجوم الكاسح لليبرالية المتوحشة على المكتسبات وما يترتب عنه من تراجعات.
بعبارة أخرى، إذا كان القانون المنظم للعمل النقابي سيمكن من جهة من الحفاظ على المكتسبات الحالية وتطويرها ــ عبر إدماج مقتضيات الاتفاقية الدولية للشغل وخاصة منها الاتفاقية رقم 87 حول الحريات النقابية والاتفاقية 135 حول حماية الممثلين النقابيين والاتفاقيتين 141 و151 المتعلقين بالموظفين وبالشغيلة القروية ــ وسيمكن من جهة أخرى بجعل حد للبيروقراطية والفساد المرتبط بالريع النقابي وبفرض احترام الديمقراطية الداخلية والشفافية المالية، فلا يمكن إلا أن نصفق لهذا القانون.
ومع الأسف الشديد، فإن الدولة التي لا ترغب في دمقرطة نفسها ودمقرطة المجتمع والتي سعت إلى تأبيد العلاقات المخزنية عبر إقرار دستور فاتح يوليوز اللاديمقراطي، لا يمكنها إلا أن تخضع للوبيات المتحكمة في العمل النقابي مع ما ينجم عن ذلك من تراجعات مقابل الحفاظ قانونا على مصالح هذه اللوبيات.
كيف تنظرون إلى متابعة نقابيين من الاتحاد المغربي للشغل في قضية ما يعرف بكوماناف ؟
بداية أريد التأكيد على أن النقابيين وخاصة المسؤولين منهم ليسوا منزهين عن الخطأ بل إن بعضهم ارتكب جرائم حقيقية عبر استغلال موقعهم ونفوذهم النقابي. كيف يمكن أن نفسر أن بعض النقابيين الذين كانوا مجرد أجراء بسطاء أصبحوا مليارديرات؟ لماذا لا يطرح عليهم سؤال "من أين لك هذا؟" ولماذا نجد أن بعض أفراد عائلاتهم يتقاضون الملايين شهريا؟ ولماذا صمت السلطات وتواطئها في هذا المجال؟ ولماذا لم تتابع السلطات القضائية ما نشر في تحقيق جريدة المساء ليوم 23 فبراير 2012؟ وما مآل الحقائق المنشورة في جريدة المساء ليوم 24 يوليوز، والتي كشف عنها القيادي السابق في الاتحاد السيد حسن البزوي؟
إذن أنا لست من أصحاب "أنصر أخاك (النقابي) ظالما أو مظلوما"؛ بالعكس أنا مع فضح النقابيين المفسدين قبل غيرهم من المفسدين لأنهم يحملون أمانة الدفاع عن الطبقة العاملة. والفساد النقابي جريمة أبشع من أي فساد آخر لأنه يتم على حساب المستضعفين الذين وضعوا ثقتهم في المسؤول النقابي.
هذه أشياء عامة كنت أود طرحها قبل الجواب مباشرة على سؤالك.
وبالنسبة للأخوين المعتقلين سعيد الحيرش ومحمد الشمشاطي، إنني لا أتوفر على المعطيات الكافية لاتخاذ موقف واضح. فالبلاغ الصادر عن الأمانة الوطنية ظل غامضا، كما أن عضوي الأمانة اللذين كانا يتتبعان عن كثب الحركة النقابية في الموانئ لم يدليا بأي تصريح؛ ونحن في انتظار الحقيقة التي يجب أن تأتي سواء من المسؤولين النقابيين أو من طرف السلطات.
ومع ذلك، ومن خلال تتبعي للحركة النقابية عندما كنت أشارك في اجتماعات الأمانة الوطنية وإلى حدود 05 مارس الماضي، تتبعت النضالات البطولية والعادلة لعمال ميناء طنجة والتي من خلالها حققوا مكاسب مهمة؛ وإن ما أخشاه هو أن يكون اعتقال الأخ الحيرش بالخصوص يدخل في إطار الانتقام منه نتيجة مؤازرته للعمال المضربين، وإن ما أخشاه كذلك هم أن تكون هذه الاعتقالات تهدف إلى تسفيه حق الإضراب ــ الذي قدم كجريمة ضد الوطن ــ وتحضير الرأي العام للقبول بالقانون التكبيلي لحق الاضراب.
مهما يكن من أمر، فإني أضم صوتي للمطالبة بالإفراج عن المسؤولين النقابيين المعتقلين.
ماذا يجري في أم النقابات، منذ نشر تحقيق المساء حول "تعايش النضال والاختلال" بالاتحاد المغربي للشغل؟
نشر تحقيق جريدة المساء يوم 23 فبراير 2012؛ وقد تضمن بعض نماذج الفساد والريع النقابي داخل الاتحاد، كما تضمن بعض النماذج للممارسات البيروقراطية المنافية للديمقراطية التي يجب أن تسود داخل مركزية نقابية عمالية. وما جاء به تحقيق المساء لم يكن جديدا لا بالنسبة للمناضلين/ات الديمقراطيين ولا بالنسبة للبيروقراطية حيث سبق نشر تلك المعطيات هنا وهناك بصفة متفرقة بالاعتماد أساسا على تقارير سبق وضعها من طرف المفتشية العامة للمالية أو المجلس الأعلى للحسابات أو جمعية فرنسا ــ الحريات. لكن جانب الإثارة في التحقيق هو طريقة تقديم المعطيات والمزج بين الوجهين المتعايشين داخل نفس المركزية: البيروقراطية والفساد من جهة والمواقف الإيجابية للمركزية بل والنضالات الذي يتم خوضها باستمرار من طرف تنظيمات المركزية من جهة أخرى.
إن هذا المقال أثار غضب البيروقراطية المفسدة المتنفذة في قيادة الاتحاد وهو ما دفعها إلى تجييش مناصريها داخل اللجنة الإدارية وفي الاتحادات المحلية والجامعات الوطنية الموالية لها. وفي هذا الإطار، تمت الدعوة إلى اجتماع اللجنة ألإدارية للاتحاد في دورتها الرابعة بعد المؤتمر يوم 05 مارس 2012. وداخل الأمانة الوطنية، الجهاز التنفيذي للمركزية، كانت النقاشات هادئة وتم التحضير لاجتماع اللجنة الإدارية بشكل روتيني وكان جدول أعمال اللجنة ألإدارية الرسمي عاديا يتضمن تقريرا عن الأوضاع النقابية وعن أنشطة الاتحاد منذ اجتماع المجلس الوطني لشهر دجنبر 2011 وبرنامج العمل بالنسبة للأشهر القادمة خاصة في مجال التنظيم الذي ظل يعرف اختلالات كبيرة نتيجة عدم تطبيق المقرر التنظيمي الصادر عن المؤتمر العاشر للاتحاد المنعقد في دجنبر 2010.
وبالموازاة مع التحضير العادي للجنة الإدارية، كانت الاستعدادات على قدم وساق لتجييش مناصري البيروقراطية المفسدة حتى يصبح اجتماع اللجنة الإدارية مناسبة لمحاكمة التوجه الديمقراطي داخل المركزية بعد تحميله مسؤولية ما نشر في تحقيق المساء ومناسبة لانطلاق المخطط التأمري الهادف إلى القضاء على التوجه الديمقراطي المناهض للفساد داخل المركزية.
كيف بدأ هذا المخطط ؟ وماذا كانت انعكاساته على ما وصفته بالتوجه الديمقراطي داخل المركزية؟
منذ انطلاق اجتماع اللجنة الإدارية ليوم 05 مارس، تم تغيير جدول الأعمال الذي أصبح يتضمن عمليا نقطة واحدة: مقال المساء وتداعياته.
انقسمت اللجنة الإدارية إلى اتجاهين أساسيين:
الاتجاه ألأول، والذي كان هو السائد عدديا، اعتبر أن المسؤولية عن مقال المساء تتحملها العناصر النقابية المرتبطة بحزب النهج الديمقراطي الذي اتهم بالسيطرة على الاتحاد الجهوي بالرباط وبالعمل على السيطرة على المركزية ككل؛ وتبعا لذلك طالب بحل جميع أجهزة الاتحاد الجهوي للرباط، سلا، تمارة وطرد عدد من القياديين أو تقديميهم أمام لجنة تأديبية.
الاتجاه الثاني، والذي سبق أن تحفظ على تغيير جدول أعمال الاجتماع، اعتبر أن تحقيق المساء يدخل في إطار حرية الصحافة، وأنه بإمكان المتضررين منه أن يراسلوا الجريدة لتصحيح المعطيات التي يعتبرونها خاطئة، بل من حقهم أن يصلوا إلى رفع دعوة قضائية ضد الجريدة إذا اعتبروا أن التقرير فيه افتراءات وأنه أساء إليهم.
وكانت خلاصة اجتماع اللجنة ألإدارية التي قرأها ابراهيم قرفة، البيروقراطي المحنك، مفجعة ومنافية للقانون الأساسي للمركزية:
ــ حل جميع أجهزة الاتحاد الجهوي لنقابات الرباط، سلا، تمارة وهي الأجهزة التي انتخبها آخر مؤتمر عقده الاتحاد الجهوي.
ــ استبدال هذه الأجهزة بلجنة للتسيير مكونة من 12 عضوا لم يتداول أي أحد قبل ذلك حولهم، بل منهم من فوجئ باسمه داخلها. وقد تم وضع هذه اللجنة لدى السلطة المحلية بالرباط التي سلمتها وصل الإيداع القانوني وكأنها مكتب جهوي شرعي.
ــ اتخاذ قرار بطرد عبد السلام أديب، الكاتب العام للنقابة الوطنية للمالية وبتقديم عبد الله لفناتسة عضو اللجنة الإدارية للاتحاد المغربي للشغل أمام لجنة تأديبية.
مع هذه الخلاصة، فهمنا أنه شرع في تنفيذ مخطط تآمري ضد التوجه الديمقراطي داخل المركزية، وأن الهجمة على تحقيق المساء كانت مجرد ذريعة لتبرير الشروع في تنفيذ المخطط المشؤوم.
ما الذي وقع بعد ذلك؟
كل ما وقع بعد ذلك داخل المركزية، كان مجرد تنزيل للمخطط التآمري:
ــ إغلاق مقر الاتحاد الجهوي بالرباط منذ 09 مارس إلى الآن في وجه القطاعات والمناضلين/ات الديمقراطيين؛ عقد مهرجان خطابي يوم 13 ماي بالمقر سمي مؤتمرا جهويا انبثق عنه مكتب لا شرعي لأن جل القطاعات والمناضلين/ات منعوا من دخول المقر.
ــ مبادرة وإشراف العناصر البيروقراطية المتنفذة في الأمانة الوطنية على تقسيم عدد من القطاعات والاتحادات المحلية: هكذا أصبح لنا نتيجة هذا التصرف اللامسؤول مكتبان جهويان للاتحاد الجهوي بالرباط سلا تمارة، ومكتبان محليان للاتحاد المحلي بتازة، ومكتبان وطنيان لكل من الجامعة الوطنية للتعليم والجامعة الوطنية لعمال وموظفي الجماعات المحلية والاتحاد النقابي للموظفين؛ بل إن فاروق شهير نائب الأمين العام للمركزية ومهندس المخطط التآمري التخريبي للاتحاد قام بمعية نور الدين سليك بمحاولة فاشلة لتقسيم الجامعة الوطنية للقطاع الفلاحي هي الأخرى.
ولحسن حظ المركزية، فإن جميع المكاتب الموالية للبيروقراطية لا تمثل إلا أصحاب المصالح وهي آخذة في التفكك في حين أن المكاتب المرتبطة بالاتجاه الديمقراطي تحظى بمشروعية ديمقراطية مؤكدة، علاوة على مواصلتها لقيادة النضالات النقابية رغم كل المعوقات.
تتحدثون عن الفساد والريع بمركزية بن الصديق، ألم تكونوا على علم بهذا الفساد قبل أن تنفجر المواجهة؟ فلماذا سكتم عليه لعقود؟
معرفتنا بالبيروقراطية وأساليبها اللاديمقراطية، ومعرفتنا بالفساد المرتبط بالريع النقابي ليست جديدة، وإن كان هناك تفاوت في درجة هذه المعرفة بين الوجه ألأول والوجه الثاني.
شخصيا كنت أعرف جيدا الممارسات البيروقراطية سواء من خلال تجربتي المباشرة أو من خلال اطلاعي على تجارب الآخرين.
من لا يعرف أن الاتحاد المغربي للشغل انتخب عند تأسيسه القائد النقابي الطيب بن بوعزة ككاتب عام للمركزية؟ إلا أن المحجوب بن الصديق زيف الواقع وابتز الجميع ونصب نفسه كاتبا عاما للإتحاد. البيروقراطية انطلقت إذن في أبشع مظاهرها منذ البداية.
وأنا شخصيا عشتها في اجتماعات المجالس الوطنية، من خلال مشاركتي في المؤتمر الثامن (1989) والمؤتمر التاسع (1995)، وعشتها في الرباط عن قرب وبدقة قبل المؤتمر العاشر (يناير 2002) الذي مكن الديمقراطيين من الوصول لقيادة الاتحاد الجهوي. كما عشت البيروقراطية بشكل حميمي من خلال الاضطهاد الذي عشته سنة 2005 وعاشه العديد من الديمقراطيين بعد أن وجهت رسالة يوم 20 فبراير 2005 للمحجوب بن الصديق بصفته أمينًا عامًا للاتحاد أطالبه فيها باتخاذ التدابير لعقد المؤتمر العاشر بعد أن مرت آنذاك 10 سنوات على انعقاد المؤتمر التاسع.
لم نكن نصمت على الممارسات البيروقراطية، إنما كنا نواجهها بالأسلوب الملائم: فمن جهة كنا ننتقدها بالأسلوب الذي لا يفوت على البيروقراطيين فرصة عزلنا، ومن جهة ثانية كنا نعمل على بناء تنظيمات نقابية ديمقراطية تشكل جزرا للديمقراطية داخل الاتحاد. وكانت أولى هذه الجزر الديمقراطية الجامعة الوطنية للقطاع الفلاحي، ثم الجامعة الوطنية للماء الصالح للشرب؛ بعد ذلك تم تشييد جزيرة ديمقراطية أخرى في جهة الرباط سلا تمارة، تلاها بناء الاتحاد النقابي للموظفين ثم الجامعة الوطنية لعمال وموظفي الجماعات المحلية، ثم العديد من فروع الجامعة الوطنية للتعليم وبعض الاتحادات المحلية مثل خريبكة وتازة وقلعة السراغنة والراشيدية والخميسات (التي تم تدبير انقلاب ضدها في 2005) والشاون وتارودانت وتاونات ... ومن جهة ثالثة كنا في إطار التكوين النقابي نعطي أهمية خاصة لترسيخ الثقافة التنظيمية الديمقراطية داخل المركزية والتي تعد النقيض للمسلكيات البيروقراطية السائدة.
أما فيما يخص الفساد، فكانت معلوماتنا شحيحة في هذا المجال، ولم تكن لنا ملفات دقيقة للتصدي من خلالها لكبار المفسدين. ما كنا نعرفه هو غياب تقارير مالية وتستر الأمانة الوطنية بقيادة المحجوب بن الصديق وكذا الأمانات المحلية والقطاعية عن الجانب المالي في حياة المنظمة. كنا نعرف كذلك أن ضيعة كبيرة فوتت في إطار الريع النقابي ودون أدنى مبرر لنجل المحجوب بن الصديق في حد السوالم وأن مطبعة الاتحاد أمبريجيما تم تفويتها لعائلة المحجوب.
وطبعا اطلعنا كسائر الموطنين على الملف المهم والمثير الذي نشرته أسبوعية المشعل (العدد 198 في 22 يناير 2009) تحت عنوان "فضائح ابنة ملك الكادحين" والذي جاء بمعطيات دقيقة عن الفساد الذي كان يرعاه الأمين العام السابق.
ومع ذلك، لم نكن نسكت عن مظاهر الريع النقابي والفساد المالي داخل المركزية. ويكفي أن نشير هنا إلى دورنا كديمقراطيين داخل المؤتمر الوطني العاشر للمركزية حيث ضغطنا من أجل استصدار توصية لإحصاء ممتلكات الاتحاد والعمل على استرجاعها للمنظمة وهي التوصية التي لم تطبق لحد الآن. ويكفي أن نشير كذلك إلى أننا كديمقراطيين ضغطنا في بداية هذه السنة وقبل نشر تحقيق المساء بمدة وجيزة من أجل وضع تقرير حول مالية الاتحاد منذ المؤتمر العاشر خاصة وأن الأمانة الوطنية الحالية التي نحن جزء منها هي المسؤولة عن التدبير المالي ولا يمكن التذرع بممارسات الأمين السابق في هذا المجال.
وقد يكون إلحاحنا على التقرير المالي هو النقطة التي أفاضت الكأس بالنسبة للمفسدين وسرعت بانطلاق المخطط التأمري ضد الديمقراطيين داخل المركزية لأن البيروقراطية المفسدة لا تقوى نهائيا على كشف حسابات الاتحاد سواء تعلق الأمر بمبيعات بطائق الانخراط والمداخيل المترتبة عنها أو بالمداخيل الأخرى ومنها الدعم المالي للدولة والمشاريع المنجزة مع الفرقاء أو تعلق الأمر بالمصاريف. وإنني هنا أتحدى أمين مالية الاتحاد أن يكشف مثلا عن عدد بطائق الانخراط التي تم توزيعها سنة 2011 (أول سنة بعد المؤتمر العاشر) وعن مداخليها المالية !
ألا تخفي هذه الأزمة، مواجهة خفية بين النهج الديمقراطي وبعض اليسار مع المجموعة النافذة في الاتحاد حول السيطرة على قيادة المركزية؟
هناك خلاف قديم لازال مستمرا لحد الآن داخل المركزية بين الديمقراطيين المناهضين للفساد والبيروقراطية المفسدة المتنفذة في قيادتها. وهذا الخلاف يتمحور حول إشكال الغاية من العمل النقابي: خدمة الطبقة العاملة أو استخدامها؟ هل يكون العمل النقابي في خدمة المصالح النقابية المباشرة (تحسين أوضاع الطبقة العاملة في ظل الأوضاع المجتمعية الراهنة) والمصالح البعيدة المتجسدة في القضاء على الاستغلال وهو جوهر ويلات الطبقة العاملة؟ أم يكون العمل النقابي في خدمة المصالح الخاصة والضيقة؟ وطبعا الجواب يختلف جوهريا عندما ننتقل من البيروقراطية المفسدة إلى الديمقراطيين المناهضين للفساد.
ثم هناك خلاف حول مبادئ الاتحاد، حيث هناك داخل المركزية من يحصرها في ثلاثة (الوحدة والاستقلالية والديمقراطية) وهناك من يحصرها في ستة بإضافة الجماهيرية والتضامن والتقدمية للمبادئ الثلاثة السابقة. ولحسن الحظ أن المؤتمر العاشر حسم هذا النقاش لصالح الاتجاه الثاني.
وهناك كذلك خلافات حول مواقف سياسية يمكن على سبيل المثال أن نذكر من بينها ما وقع في الأشهر الأولى من سنة 2011 خاصة بعد انطلاق حركة 20 فبراير المجيدة.
الصراع تمحور حول مدى الدعم الذي يجب تقديمه للحركة. فبينما كان الاتجاه التقدمي في الأمانة الوطنية يدفع نحو الدعم الصريح للحركة بل والمشاركة الفاعلة في تظاهراتها، على غرار ما وقع في تونس الشقيقة التي لعب فيها الاتحاد العام للعمال للتونسيين دورا أساسيا في دعم الثورة البوعزيزية، ظل الاتجاه المحافظ في الأمانة الوطنية يعارض الدعم الصريح والعملي للحركة. وقد وصلنا إلى حل وسط هو الدعم المبدئي لحركة 20 فبراير (تم التعبير عنه في بلاغ 22 فبراير للأمانة الوطنية) مع ترك الصلاحيات للاتحادات المحلية وللجامعات لاتخاذ الموقف التي تراه مناسبا. ومع ألأسف، نرى الآن وبعد الردة التي تعرفها المركزية منذ 05 مارس 2012 أن الأمانة الوطنية أسقطت حركة 20 فبراير من انشغالاتها.
وتمحور الصراع كذلك حول الموقف من الدستور المعدل المطروح لاستفتاء فاتح يوليوز 2011، حيث طالبنا نحن أعضاء الأمانة الوطنية الثلاثة الذين سيتم الإعلان عن طردهم في 22 مارس 2012 بترك الحرية لأعضاء مركزيتنا بشأن اتخاذ الموقف المنسجم مع قناعاتهم السياسية وهذا ما جرى به العمل بالنسبة لمشروعي تعديل الدستور لسنتي 1992 و1996؛ وقد فرض الجناح المحافظ في الأمانة الوطنية على المركزية ككل أن تتخذ موقف التصويت بنعم على الدستور المعدل.
كما أن الصراع بين الجناحين داخل المركزية تمحور حول تنزيل نتائج المؤتمر الوطني العاشر للاتحاد الذي قرر من خلال المقرر التنظيمي إعطاء أهمية خاصة للتنظيم وللثقافة التنظيمية الديمقراطية. وقد كنا كاتجاه ديمقراطي داخل الأمانة وداخل اللجنة الإدارية نلح على الإسراع بتطبيق البرنامج التنظيمي في حين أن الجناح المحافظ ظل يعرقل هذه العملية إلى حين ترتيب الأوراق لقطع الطريق أمام التوجه الديمقراطي. وهذا ما وقع بالفعل بالنسبة لعقد مؤتمري الاتحاد الجهوي بالرباط، سلا، تمارة والجامعة الوطنية للتعليم. بل أكثر من ذلك فقد تم تجميد دائرة التنظيم بعد تشكيلها وبعد أن شرعت في اجتماعاتها بشكل لم يكن يرضي الاتجاه السائد داخل الأمانة الوطنية.
أين قيادة المركزية من كل ذلك؟
كل هذا لأقول أن الخلافات قائمة بين الديمقراطيين ــ ومن ضمنهم أعضاء النهج الديمقراطي ــ والبيروقراطيين منذ زمان، وقد امتدت هذه الخلافات بعد انطلاق حركة 20 فبراير. لكننا كديمقراطيين لم يكن أبدا في جدول أعمالنا السيطرة على قيادة المركزية كما ورد في سؤالك، وذلك لسبب بسيط هو أن الظروف العامة بالبلاد لا تسمح بذلك. إن هدفنا الأسمى والبعيد هو طبعا تحرير الحركة النقابية لتشتغل على أسس المبادئ الستة الواردة في ديباجة القانون الأساسي للإتحاد، وعلى أساس شعار "خدمة الطبقة العاملة وليس استخدامها". ونحن في النهج الديمقراطي .ــ وأنا بالمناسبة أعتز بانتمائي لهذا الحزب المناضل الذي قدم تضحيات جسام من أجل وطننا وشعبنا والطبقة العاملة والاتحاد المغربي للشغل سواء في الماضي في إطار منظمة إلى الأمام أو حاليا في إطار عمله الشرعي ــ رغم مواقفنا السياسية الواضحة من الأوضاع لا نطمح للسيطرة على قيادة المركزية وإن كنا نقبل بالمشاركة فيها من موقع الأقلية، وذلك لأننا واقعيين وندرك أن الشروط غير مناسبة ونعرف أن سيطرتنا على قيادة المركزية على حد تعبيرك ستسيء للمركزية لأنها في هذه الحالة ستؤلب ضدها المخزن وكل أعداء الطبقة العاملة وهذا ما نسعى لتفاديه قبل أي كان.
نشهد فك الارتباط على مستوى القانون الأساسي من طرف الاتحاد النقابي للموظفين والجامعة الوطنية للتعليم والجامعة الوطنية لعمال وموظفي الجماعات المحلية مع المركزية. فماذا تقصدون بفك الارتباط مع المركزية الأم؟ وهل سنشهد ميلاد مركزية جديدة؟
إنني لا أفكر أبدا في المساهمة في تأسيس مركزية نقابية جديدة. فأنا شخصيا ناضلت وسأستمر في النضال من أجل الوحدة النقابية في إطار مركزية نقابية عمالية واحدة. وقد كنت من خلال كتاباتي وممارستي من أشد المنتقدين للتقسيم النقابي ببلادنا وهو الذي أضعف الحركة النقابية ككل ومكن من الإجهاز على العديد من مكاسبها وعطل تحقيق العديد من مطالبها الأساسية.
ويوم 05 مارس أثناء اجتماع اللجنة ألإدارية وعلى ضوء قراراتها المشؤومة صرخت وأنا في منصة التسيير في وجه الجميع بما مفاده :"مخطئ وواهم من يظن أنه بالتضييق علينا وباضطهادنا سيدفعنا إلى الخروج من الاتحاد المغربي للشغل؛ إننا سنظل مناضلين داخل الاتحاد وشعارنا هو "بت نبت، إنا هنا مناضلون، وعهد الله ما نرحل" وأضفت "أننا كمناضلين/ات لنا شعار آخر في العمل الجماهيري وهو أن "ماشي الخايب اللي غادي يجري على المزيان، بل المزيان هو اللي غادي يجري على الخايب". أليس هذا منتهى الوضوح ؟
وهنا تفطنت البيروقراطية المفسدة لعزيمتنا على البقاء داخل الاتحاد المغربي للشغل مهما كانت المضايقات والتضحيات؛ ولهذا بدأت تعمل بتعاون مع السلطات المخزنية المتواطئة معها على جعلنا من الناحية القانونية والعملية في وضعية هشة لا تسمح لنا باستعمال مقرات الاتحاد ولا تسمح لنا بالتفاوض لما فيه مصلحة الفئات المنظمة في القطاعات والاتحادات المحلية الديمقراطية، ولا تسمح لنا بالترشح لانتخابات مندوبي ألأجراء وممثلي الموظفين والمستخدمين في اللجان الثنائية.
وكانت وسيلتها لبلوغ هذه ةالغاية هي التقسيم من الفوق، التقسيم الذي تشرف عليه العناصر الاستئصالية داخل الأمانة الوطنية وعلى رأسها مهندس التخريب النقابي فاروق شهير نائب الأمين العام للمركزية وديكتاتور الجامعة الوطنية لمستخدمي الأبناك ورئيس الشبيبة العاملة المغربية رغم وصوله لسن التقاعد. وهكذا بادرت البيروقراطية التقسيمية إلى عقد اجتماعات و"مؤتمرات" لتشكيل مكاتب موالية لها وتحظى بدعم السلطات المخزنية التي سلمتها وصول الإيداع القانونية بسرعة فائقة. وهذا ما وقع في الاتحاديين الجهويين بالرباط وتازة وما وقع بالنسبة لقطاعات التعليم والجماعات المحلية والاتحاد النقابي للموظفين وما يخطط له بالنسبة للقطاع الفلاحي ولقطاعات أخرى.
إن ما يقع في مركزيتنا شيء غريب ــ فبينما جرت العادة أن يبادر للتقسيم ضحايا الممارسات اللاديمقراطية فنحن نلاحظ أن البيروقراطية المتنفذة في الاتحاد هي التي تبادر للتقسيم من أجل تحصين مواقعها والدفاع عن مصالحها الضيقة، عابثة بوحدة المنظمة بعد أن عبثت بمبادئ الاستقلالية ــ مع اصطفافها لجانب الباطرونا والسلطات المخزنية ــ والديمقراطية والتقدمية.
لكن بماذا واجهتم كل ذلك؟
وعودة إلى سؤالك، أشير إلى أننا أمام الممارسات التقسيمية من الفوق للبيروقراطية وما ترتب عنها من هشاشة لمواقعنا ونظرا لتشبثنا بمركزيتنا فقد أبدعنا الحل المناسب؛ وقد كانت الجامعة الوطنية للتعليم هي صاحبة هذا الإبداع حيث اتخذت أثناء مؤتمرها الشرعي العاشر المنعقد بالرباط يومي 5 و6 ماي 2012 قرارا "بفك الارتباط مؤقتا على مستوى القانون الأساسي مع المركزية وذلك لتعزيز موقعها في الصراع ضد البيروقراطية المفسدة وخلق شروط فرض احترام الديمقراطية الداخلية كأساس لوحدة القطاع".
إن فك الارتباط يعني فقط أننا بدل أن يكون انتماءنا للمركزية متضمنا في القانون الأساسي للتنظيم القطاعي فهو يتم على مستوى آخر متحكم فيه ــ المبادئ المشتركة، وثائق المؤتمر، قرارات اللجنة ألإدارية ــ لا يسمح للبيروقراطية باستعمال الممارسات القانونية البلطجية التي تعودت عليها لخنق التنظيم القطاعي ووضعه تحت رحمتها.
ولا بد للإشارة، أن إجراء فك الارتباط يظل مؤقتا؛ فمجرد جنوح البيروقراطية لاحترام قوانين المركزية وقوانين التنظيمات القطاعية سيتم العودة للوضعية السابقة.
ومهما يكن من أمر، فرغم فك الارتباط على مستوى القانون الأساسي القطاعي، فهذه القطاعات تظل جزءا لا يتجزأ من الاتحاد المغربي للشغل.
إن هذا القرار تطلب كثيرا من الجهد لاستيعابه من طرف المناضلين/ات الذين أيقنوا في الأخير أنه يخدم التشبث بالوحدة داخل الاتحاد، ويمكن من التصدي للبيروقراطية المفسدة داخل القطاع ولمناصريها في الأمانة الوطنية.
ما تقييمكم لمسيرة 27 ماي التي دعت إليها مركزيتي الكنفدرالية والفيدرالية والتي شاركتم فيها كجناح مغضوب عليه ومطرود من الاتحاد؟
عند إعلان الكنفدرالية والفيدرالية عن تنظيم المسيرة العمالية الشعبية ليوم 27 ماي الماضي، تحمسنا كثيرا كمناضلين/ات ديمقراطيين داخل الاتحاد المغربي للشغل لهذه المبادرة النضالية الوحدوية على اعتبار أن الحوار الاجتماعي الذي انطلق في شهر أبريل والذي وصفناه بالحوار الأعرج والعقيم والمغشوش كان مجرد ملهاة وربحا للقوت، وأنه كان لابد من مبادرة نضالية في المستوى للتصدي للمخططات الحكومية الهادفة إلى الالتفاف حول مكاسب الموظفين والمستخدمين والعمال، وعلى اعتبار ثانيا أننا نؤمن بشعار الوحدة النضالية في أفق الوحدة النقابية التنظيمية التي تطمح لها الطبقة العاملة.
وقد راسلنا نحن أعضاء الأمانة الوطنية الثلاثة (خديجة غامري وعبد الرزاق الإدريسي وعبد الحميد أمين) باقي أعضاء الأمانة الوطنية للاتحاد وناشدناهم للمشاركة في هذه التظاهرة الوحدوية لكن دون جدوى، لأن العناصر المتنفذة في قيادة مركزيتنا ظلت دائمًا تعارض العمل النقابي الوحدوي خاصة إذا تعلق الأمر بمبادرات وحدوية لها طبيعة نضالية.
مهما يكن من أمر فقد شرفنا الاتحاد المغربي للشغل من خلال مشاركتنا كتوجه ديمقراطي في المسيرة العمالية الشعبية، وشاركنا بالخصوص من خلال الاتحاد النقابي للموظفين والجامعة الوطنية للتعليم والجامعة الوطنية للقطاع الفلاحي والجامعة الوطنية لعمال وموظفي الجماعات المحلية والاتحاد الجهوي للرباط، سلا، تمارة واتحادات محلية وقطاعات مهنية أخرى.
أما عن تقييمنا للمسيرة فقد كانت ناجحة. شارك فيها بحماس عشرات الآلاف من الأجراء ومن الجماهير الشعبية. ونحن طالبنا بألا تبقى هذه المبادرة يتيمة وأن يتم اتخاذ مبادرات نضالية من مستوى أعلى وضعنا على رأسها الإضراب العام الوطني الذي يجب التحضير له بجدية ومنذ الآن كجواب على الإجراءات اللاشعبية للحكومة الحالية والتي يرعاها المخزن وكذا المؤسسات المالية العالمية. ونحن سنعمل من جهتنا على أن تكون مشاركة الاتحاد المغربي للشغل أوسع وأقوى خلال المبادرات النضالية الوحدوية المقبلة.
شهدنا حراكا اجتماعيا وسياسيا ببلادنا طيلة السنة الماضية، لماذا في رأيكم غابت عنه الحركة النقابية؟
سنة 2011 كانت سنة حركة 20 فبراير بامتياز؛ وكانت سنة الربيع النضالي الديمقراطي المغربي حيث شاركت جماهير الشباب والجماهير الشعبية بصفة عامة في تظاهرات عارمة بمختلف المدن مطالبة بإسقاط الاستبداد والقهر والظلم والفساد وبإقرار مغرب الكرامة والحرية والمساواة والعدالة الاجتماعية والديمقراطية وحقوق الإنسان. وفي أوج الحركة شارك فيها مئات الآلاف من المواطنين وأحيانا في أزيد من مئة مدينة.
إلى جانب حركة 20 فبراير، باعتبارها حركة سياسية بالأساس، كانت هناك العديد من النضالات ذات الطابع الاجتماعي: نضالات نقابية للموظفين والمستخدمين والعمال ، نضالات طلابية، نضالات المعطلين من أجل الشغل، نضالات شعبية من أجل السكن والصحة والأرض والماء والحياة الكريمة، نضالات حقوقية ونضالات نسائية.
إذن، باعتبار النضالات النقابية التي عرفتها بلادنا في 2011، فإن الحركة النقابية لم تكن غائبة عن الحراك الاجتماعي بمعناه الواسع والذي شمل حركة 20 فبراير بالإضافة إلى النضالات الاجتماعية.
لكن ما يجب الإقرار به هو أن الحركة النقابية تواجدت بشكل ضعيف على مستوى حركة 20 فبراير؛ ولا أقول أنها غابت عنها، لأن آلاف النقابيين خاصة من القطاعات الديمقراطية التقدمية داخل الاتحاد المغربي للشغل وفي مركزيات نقابية أخرى شاركت في التظاهرات التي نظمتها حركة 20 فبراير.
إذن وحتى أتفاعل مع سؤالك، فالسؤال المطروح لماذا ضعف مشاركة الحركة النقابية في حركة 20 فبراير؟
لسبب بسيط هو أن القيادات والنقابية لم تكن عموما ترغب في تلك المشاركة ذات الطابع السياسي ــ مناهضة الاستبداد والفساد ــ وأن القواعد النقابية والاتجاهات الديمقراطية التقدمية لم تكن لها القوة الكافية لفرض موقف المشاركة المكثفة والفاعلة للحركة النقابية في حركة 20 فبراير.
وحتى أبقى في الإطار الذي أعرفه جيدا، لقد احتدم الصراع داخل الاتحاد المغربي للشغل بين التوجه البيروقراطي المحافظ والتوجه الديمقراطي التقدمي حول مشاركة الحركة النقابية في حركة 20 فبراير؛ فبينما سعى هذا الأخير إلى ضمان هذه المشاركة بقوة ــ إسوة بالتجربة التونسية ودور المنظمة النقابية في المسيرة الثورية ــ عبر اتخاذ مواقف مساندة للحركة وعبر المشاركة فيها، وعبر تشكيل لجان نقابيو 20 فبراير، نجد أن التوجه المحافظ فضل الدخول في توافق سياسي مع المخزن مقابل مكتسبات مادية لها مفعول مؤقت في إطار الحوار الاجتماعي، بدل المشاركة في الصراع السياسي المؤدي إلى مكتسبات سياسية من شأنها أن تحسن بشكل نوعي موقع الطبقة العاملة في المجتمع، وبالتالي أن تخدم مصالحها المادية والاجتماعية بشكل أفضل.
وأكيد أن مشاركة الحركة النقابية في حركة 20 فبراير، كان إحدى النقط الخلافية والأساسية التي فجرت الصراع داخل مركزيتنا بين الجناح البيروقراطي المحافظ والجناح الديمقراطي التقدمي، ولازال مستمرا.
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire